مقارنة بین الثورة الاسلامیة في ایران والثورات الحالیة

مقارنة بین الثورة الاسلامیة في ایران والثورات الحالیة

الصحوة الإسلامیة: إصلاح أم ثورة؟

 الآنسة حاج اقویدر زینب

ماجیستر  في العلوم الدینیة ومشاركة في امور سیاسیة من الجزائر

للأمانة التأریخیة، ولحقیقة الموقف، وصدق الكلمة لابّد من شجاعة الاعتراف والامتنان، وإعطاء الحق لأصحابه، فنقول أن الصحوة الإسلامیة في العصر الحدیث في العالم الإسلامی كله قد انبثقت من مدرسة أهل البیت. كلّ المؤرخین والمفكرین والمتتبعین لشأن الحركة الإسلامیة الحدیثة، متفقون على أن مصدر الصحوة الإسلامیة في العصر الحدیث إنّما تعود في انطلاقتها إلى شخص السید جمال الدین الأسدآبادی (۱۸۳۹- ۱۸۹۷) الذي وقف نفسه على هذا المشروع متحملاً إیاه في مسؤولیة واعیة و تامة، ووضع نصب عینیه هدفا واحدا هو: ” واجب إیقاظ الضمیر الإسلامی الغارق في قرون السبات العمیق”. انطلق، لم یثبطه شیء من ذلك أبدا، وزرع فسیلة في كلّ مكان حلّ فيه : من الهند إلى مصر إلى إیران وأوروبا وتركیا. وفي عرضنا هذا سنقتصر على محطتین اثنتین هما : مصر وإیران.

الوسائل المعتمدة في الصحوة الإسلامیة 

إنه لمن المؤكد أن السید جمال الدین الأسد آبادی قد حسم أمر اختیاره وأولیات عمله. ولیس هناك شیء أصعب وأدق وأشد في مسیرة الإنسان الذاتیة، أو الاجتماعیة، أو الحضاریة من أمر الحسم في الاختیار.

الفرق بین أسلوب الثورة والإصلاح

هناك أسلوبان معتمدان في منهج التغییر هما: أسلوب الثورة أو أسلوب الإصلاح، وقد سلكت جمیع الحركات التغییریة القدیمة أو الحدیثة أحد الأسلوبین.

    أ. أسلوب الثورة

ویقصد به العمل على تغییر الأوضاع الردیئة السائدة بالوسائل العنیفة على مستوى السلطة السیاسیة، وقد أطلق علیه الإمام الحسین (ع) مصطلح الإصلاح قاصدا به الإصلاح السیاسی للوضع القائم. فحینما واجه الإمام قاطعی طریقه من نظام الحكم القائم آنذاك، وكان متوجّها إلى العراق، فأوقفوه وسألوه عن مقصده، فقال : “…إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدی: أرید أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسیر بسیرة جدی وأبی علی بن أبی طالب، فمن قبلنی بقبول الحق، فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ هذا، أصبر حتّى یقضی الله بینی وبین القوم، وهو خیر الحاكمین”.

لقد حدّد (علیه السلام) في هذه المقولة الهدف الذي هو (التغییر السیاسی) باعتبار أنّ الجهة المتحدّث إلیها هی السلطة القائمة ، والجهة المقصودة إلیها هذا التغییر (أمّة جدّی ) وهی الأمة الإسلامیة التّی تجمعها شروط الانتماء إلى نفس الأركان والمقومات، والأسلوب الذي هو (الثورة) من خلال الحركة المیدانیة المحددّة زمانا ومكانا (من المدینة المنوّرة إلى كربلاء).

فالثورة حینئذ هی حركة تغییر شاملة لنظام حكم قائم  بأسلوب عنیف، لذلك وجدنا الشّهید آیة الله مطّهری یعرّفها في محاضرة له بعنوان (ماهیة الثورة) ألقاها في احد مساجد طهران (مسجد الإمام الجواد “علیه السلام”) بتاریخ ۱۵/۰۳/۱۹۷۹ إذ یقول: ” الثورة هی تمرّد وعصیان شعب أو مجموعة على النظام السائد” . إلا أنّه من الملاحظ في العصر الحالی أنّه لیس من الضرورة أن تتخذ الثورة أسلوب العنف في جمیع حالاتها، فقد تتّخذ أسلوبا سلمیا، ولكنّه ثوری كمثال الثورة الإسلامیة الإیرانیة .

ب. أسلوب الإصلاح

ویُقصد به العمل على تغییر الأوضاع الردیئة السائدة بالوسائل السلمیة، والتدرّج المرحلی على المستوى الشعبی دون التعرّض لسلطة الحكم القائم، ویرى أصحاب هذا الاتجاه أنه حینما یتمّ النّجاح في عملیات التربیة، والتعلیم، والتوعیة الشاملة، سیكون تغییر نظام الحكم تحصیل حاصل تبعا لقاعدة  ( كما تكونوا یولى علیكم ) .

إلاّ أنّه من الملاحظ في العصر الحالی أنّ الحركات الإصلاحیة المعاصرة لم تعتمد كلّها الوسائل السلمیة في التغییر، بل اعتمدت بعضها أسلوب العنف .

جمال الدین الاسدآبادی والصحوة الإسلامیة في مصر

إذا كنا نتحدث عن هذه الشخصیة، فلنؤرخ بها أولیات الصحوة الإسلامیة بمصر باعتبار ارتباطها به . لقد وفد السید جمال الدین إلى مصر عام ۱۸۷۱م، وأمضى بها ثمانی سنوات كانت من أخصب سنوات حیاته، وقد “تبنى- في عمله التغییری الذي باشره مع طلبته والمتأثرین به- فكرة الإسلام المجاهد ضدّ الطغیان الدّاخلی والخارجی”[۱][۲۷۰]، وكوّن فيها أوّل نخب هذه الصحوة، وقد كان منهم : أحمد عرابی، وعبد الله النّدیم، ومصطفى كامل، ومحمد عبده،… وشكل هؤلاء الإطار النظری والعملی للشخصیة المصریة الحدیثة. وقبل أن یكمل السید جمال الدیّن مهمّته، أُخرج من مصر مكرها عام ۱۸۷۹م بضغط من الإنجلیز إلى الهند.  وانفجرت الثورة العرابیة بعده عام ۱۸۸۲م ، وكانت هذه الثورة إحدى ثمرات السید جمال الدّین، كما اعتبرت هذه الثورة علامة فارقة في التاریخ القومی المصری الحدیث، وكان الحكم الصادر في حق الشیخ محمد عبده النفي لاشتراكه فيها مثل بقیة زملاء له.

الشیخ محمد عبده والصحوة الإسلامیة في مصر

في سنة ۱۸۸۹م، عاد الشیخ محمد عبده (۱۸۴۳- ۱۹۰۵) إلى مصر، وانتقلت مسیرة الصحوة الإسلامیة فيها إلیه. إلا أنّ استراتجیة الصحوة قد تغیّرت عنده، فقد تردّد في اعتبار الإصلاح السیاسی أی أسلوب الثورة بوابة لكلّ عملیة إصلاح كما كان یرى أستاذه السید جمال الدّین، بل رأى أن الإصلاح یبدأ من المجال التربوی والفكری، ودعا إلى المنهج الإصلاحی التربوی التّدریجی[۲][۲۷۱]. كان “یرى الجماهیر جاهلة یجب أن تعلّم وتهذّب، ویرى الحكومات ظالمة محتاجة إلى تقویم بسلطان الشریعة  والقانون”[۳][۲۷۲]، فعمل على إصلاح العقیدة، وإحیاء التراث، وإصلاح المؤسسات القدیمة كالأزهر، والأوقاف، والمحاكم الشرعیة، والمؤسسات الجدیدة كدار العلوم، وفي الوقت ذاته عمل على  “تحدی التخلّف والضعف – الرازح على الأمّة الإسلامیة- ملحّا علیه سؤال المفارقة الحضاریة بین الشرق والغرب[۴][۲۷۳] “.

خلاصة القول أنّ الشیخ محمد عبده قدّم “في مجال الفكر السیاسی النظریة الإصلاحیة في مقابل النظریة الثوریة التّی كان یروّج لها جمال الدین الأسدأبادی، فكان محمد عبده یرى أنّ التدرّج في الإصلاح هو الطریق الأقوم والأضمن في تحقیق الغایة المقصودة من العمل السیاسی، وهی نهضة الشرق وتحرره[۵][۲۷۴] “.

نتیجة لما تقدّم، یمكن استنتاج مایلی:

تراجع الإصلاحیین ابتداء من الشیخ محمد عبده عن الأسلوب الأوّل المستقى من السیّد جمال الدین في بلورة الصّحوة الإسلامیة في هذا الجزء من الوطن الإسلامی من أسلوب الثورة، أی أسلوب التغییر الشامل،  إلى أسلوب الإصلاح المتدرّج.

ضبابیة رؤیة القائمین على منهاج الإصلاح: (الإحیاء والتجدید عند محمد عبده)، و(الإحیاء والسلفية عند محمد رشید رضا ) .

إذن فبالرّغم من مرور أكثر من ثمانیة عقود على هذا الجزء الإسلامی الكبیر إلا أنّ أسلوب الإصلاح لم یؤت ثماره لحدّ الساعة، بل إنّ نتائجه كانت في بعض الأحیان وخیمة نتیجة ما سبق ذكره من تشوّش واضطراب، وعدم وضوح الرؤیا.

جمال الدّین الاسدآبادی في إیران

إنّ الوضع في إیران یختلف تماماً عنه في مصر، فإذا كان السیّد جمال الدّین یعتبر الرائد والمؤسس لظاهرة الصحوة الإسلامیة في مصر، فإنّه حین قدم إلى إیران لم یتعدّ كونه عنصرا فاعلا ضمن عناصر فاعلة أخرى فيها، وذلك یعود إلى طبیعة المدرسة الّتی ینتمی إلیها هذا الجزء من الوطن الإسلامی، المدرسة الّتی لا تقرّ الظّلم والاستبداد على أیّ مستوى كان.

صحیح أنّ دور السید جمال الدّین في إیران كان ذا أهمیّة. فحین دعاه الشاه ناصر الدین، وكان قد التقى به في أوروبا عام ۱۸۸۹م إلى الإقامة معه في إیران مظهرا له الودّ والاحترام، لبّى السید دعوته، ورحل إلیها، ورأى الأوضاع عن كثب، وساءه الأمر كثیرا، فنقل إلى الشاه تلك الأوضاع المتردیة، وصارحه في ضرورة إصلاح الحكومة، وتغییر أسالیب العمل السیاسیة في الدولة. تلك الانتقادات الوجیهة لم تعجب الشاه، وغضب علیه، ونفاه من البلاد. ولكن السیّد جمال الدین لم یتوقف عند هذا الحدّ، بل كتب إلى المراجع الدینیة الرسائل المطوّلة یشرح لهم حقیقة الفساد المستشری في الدولة، ومنبّها إلى ما ستؤول إلیه البلاد من الانهیار في حالة ما إذا استمرّ الحال على شأنه، كما نشر مقالاته الناریة في مجلته (ضیاء الخافقین) الصادرة في أوروبا.

ولمّا حصلت الشركة الإنجلیزیة على حق الامتیاز في استغلال التبغ في إیران، أرسل السید جمال الدّین رسالة إلى المرجع الدینی السیّد میرزا محمد حسن الشیرازی عدّد فيه مساوئ الشاه، وخصّ حدیثه عن تخویل الشاه الشركة الإنجلیزیة احتكار التبغ في إیران، وانعكاسات ذلك على وضع البلاد السیاسی والإجتماعی، وأصدر المرجع فتواه الشهیرة بـ ( حرمة استعمال التنباك ) إلى أن یبطل الإمتیاز .

وكانت الفتوى سلاحا ممضّا أسقط الحسابات الإنجلیزیة، وعرفت في الأدبیات الإیرانیة بـ ( ثورة التنباك) التی  اندلعت عام ۱۸۹۱-۱۸۹۲ .

ولم تكن هذه الثورة إلا مرحلة أولیة لمرحلة أخرى أكبر منها وأوسع، فقد شهدت إیران مرحلة جدیدة في الوعی السیاسی، إذ طالبت المرجعیة الدینیة ضرورة إشراك المجتمع في العملیة السیاسیة، ورفض الشاه هذا الطلب بشدّة، وكان جواب المرجعیة اندلاع ( ثورة المشروطة) أی ثورة الدستور عام ۱۹۰۶م التّی قادتها المرجعیة الدینیة بقیادة الشیخ محمد كاظم الخراسانی، والحاج میرزا حسن خلیلی، و آخرین[۶][۲۷۹] .

لقد ساهم السیّد جمال الدّین الأسدآبادی في بلورة ثورة التّغییر ضدّ الاستبداد، والفساد، ومنح الامتیازات للاستعمار الأوروبی، واشترك في هدفه هذا مجموعة  من العلماء والمصلحین و المثقفين والوطنیین، ولم یتعرض هذا الهدف أوالوسیلة إلى الانكسار أوإلى النكوص كما جرى له في مصر بسبب اشتراك الجمیع في الإغتراف من نفس المعین.

 

الثورة الإیرانیة الكبرى

الثورتان السابقتان: ثورة التبغ، وثورة الدستور كانتا محلّیتین خصّتا الوضع الداخلی لإیران، و لكنّهما كانتا ضروریتین لمرحلة أخرى أكبر وأوسع منهما.

فلقد طوّرت المرجعیة الدینیة ( فلسفة الإنتظار ) من حالتها السلبیة إلى حالتها الإیجابیة، وبدا للمرجعیة أنه لیس من اللائق انتظار فرج الإمام (عج) من موقع الجلوس على الكرسیّ الخلفي، بل لابد من انتظاره في حالة الوقوف والتّأهب والتحرّك في الزمان والمكان.

هذا هو الإنتظار الجدید، الإنتظار الإیجابی، الإنتظار الفاعل… ومع بروز هذا الطرح الجدید برز اسم الإمام الخمینی الذي بدأ حركته التوعویّة مبكرا في إیران منذ بدایة الستینیات، وكان ردّ فعل السلطة الاعتقال ثمّ النفي خارج البلاد، ولم یكن هذا النفي سوى انتقالٍ إلى مرحلة أخرى عقد فيها الإمام الخمینی محاضرات في نهایة الستینیات وبدایة السبعینیات قرّر فيها أنّ الإسلام الآن یتطلب حكومة إسلامیة یتزعمها ولیٌّ فقیه  .

وقد استطاع الإمام إخراج نظریة ولایة الفقیه من إطارها النظری إلى الواقع العملی، وولایة الفقیه أطروحة بنیویة ترتكز علیها الإمامیة في (عصر الغیبة).

وانتصرت الثورة الإسلامیة في إیران علم ۱۹۷۹م بقیادة الإمام الخمینی، وهی ثورة فاقت في تأریخها وبنائها، وفي فلسفتها، وفي حركتها المیدانیة، وفي نتائجها وانعكاساتها الثورة الأمریكیة ۱۷۷۶، والثورة الفرنسیة ۱۷۸۹م، والثورة البلشفية ۱۹۱۷م.

الثورة الإسلامیة في إیران والصحوة الإسلامیة

لقد غیّرت الثورة الإسلامیة وجهة الصحوة الإسلامیة تماما. فقد كانت هذه الصّحوة قبل هذه الثورة حبیسة حلقة مفرغة جرّاء تشظّی الحركات الإسلامیة في رؤاها ووجهات نظرها، بل لقد وصل الإختلاف في العمل وتحدید الهدف إلى حدّ الإصطدام، والإقتتال. فلمّا نجحت الثّورة الإسلامیة في إیران نفثت روحا جدیدة في الصّحوة الإسلامیة كلّها، لأنّ هدفها كان واضحا و محدّدا، وآلیات عملها معروفة  دقیقة، إذ منذ السّتینیات أعلن الإمام الخمینی أنّه : ” یجب أن یكون هدفنا محدّدا. إنّه الإسلام، واستقلال بلادنا بطرد عملاء إسرائیل، ومن ثمّ الإتحاد مع الدول الإسلامیة[۷][۲۸۰]“.

إنّ ما قامت به الثورة الإسلامیة هو ” مشروع قائم مازال یفرض نفسه إقلیمیا ودولیّا، ویساهم في عولمة المشروع السیاسی الإسلامی .. وإنّه في نظر الغرب مشروع أثبت قدرته على البقاء، وتقدیم بدیلٍ سیاسی وفكری للشعوب الإسلامیة الأخرى… والإمام الخمینی اعتبر الوحدة ضرورة استراتیجیة ومبدأ مقدّسا[۸][۲۸۱]“.

خصائص الثورة الإسلامیة في إیران

ثورة شعبیة شارك فيها كلّ أطیاف الشعب على تحقیق هدف معیّن بأسلوب محدّدٍ.

ثورة سلمیّة، إذ بالرّغم من مجابهتها بقوّة السلاح، وإراقة الدماء.. إلاّ أنّها التزمت كلیّة بالمسلك السّلمی.

ثورة تجاوزت مطلب تحسین الأوضاع الإجتماعیة، وتكریس مبدأ الدیمقراطیة، وإحلال هاجس القومیة.

ثورة مكتفية بنفسها. كان شعارها (لا شرقیة ولا غربیة)، في الوقت الذي كان العالم أجمع إما شرقیا تابعا لفلك الإتحاد السوفيتی، أوغربیا تابعا لفلك الإمبریالیة الأمریكیة.

ثورة خلقت أدبیاتها ومصطلحاتها الجدیدة (الاستضعاف. ثورة المستضعفين. الإستكبار العالمی. الشیطان الأكبر…).

تفوُّق المرجعیة الدینیة في استیعابها لتناقضات تلك المرحلة، والعمل بمرونة منقطعة النّظیر، وتجاوزها جمیع العراقیل والتضییقات التّی كانت تضعها القوى العالمیة الكبرى للحیلولة دون نجاح برنامج الثورة الإسلامیة.

التواصل العفوي والمرن بین المرجعیة والشّعب، بین الشیوخ والشباب، بین الحكمة والفوران. هذا ما جعل (ستانسفيلد تیرنر)[۹][۲۸۲] رئیس المخابرات الأمریكیة في عهد جیمی كارتر یرى أنّها من المفارقة أن یقود شیخ مسنّ حركة شباب.

تفنید الثورة الإسلامیة المقولة الشیوعیة السائدة بین مثقفي ذلك الوقت وخاصّة مثقفي الیسار بأنّ ( الدین أفيون الشعوب )، بجعلها الدین مصدر إسقاط صروح الأنظمة الإستبدادیة.

آثار الثورة الإسلامیة على الصحوة الإسلامیة

        سبق أن ذكرنا أنّ الثورة الإسلامیة قد تمكنت من تغییر وجهة الصحوة الإسلامیة تماما.

كتب جوایث میللر: ” طالما رضخت قدرات الحركات الإسلامیة للتأثیرات (السّلبیة) للثّورة الإیرانیة، فإنّ أهمیّة الهویّة الإیدیولوجیة بالنسبة للشباب المتحمّس ستبلور ثانیة الجاذبیة القویّة جدّا للإسلام على أرض الواقع .. ربما كان عصر الإسلام قد بدأ توّاً”.

لقد تجاوبت الشعوب الإسلامیة مع هذه الثورة تجاوبا عفویا وعنفوانیا، ورأت فيها أملها یتحقق، وانتصرت لها، وأیّدتها ممّا یعنی أنّها أخرجت الصحوة من دائرتها المغلقة إلى الفضاء العالمی. 

كتب “غراهام فوللر” المحلّل الرّفيع المستوى في الوكالة المركزیة للمخابرات الأمریكیة : ” كانت الثورة الإیرانیة عاملا وسیطا نقل حالة السیاسة الإسلامیة إلى قلب الفكر السیاسی في العالم[۱۰][۲۸۳]“.

لقد نجحت الثورة الإسلامیة في إحباط خطط الإستكبار العالمي الذي كاد أن یشوّش الرؤیة على أبناء الحركة الإسلامیة في العالم الإسلامی كلّه من خلال محاولة تحكمه في تحویل قضیّة الإسلام المركزیة (تحریر القدس) إلى قضایا هامشیة أخرى لولا أنّ قیادة الثورة الإسلامیة في إیران قد تفطّنت مبكرا إلى المؤامرة العالمیة الجهنّمیة، فأعلن الإمام الخمینی یوم ۰۷/۰۸/۱۹۷۹م جعل آخر جمعة من شهر رمضان من كلّ عام یوما عالمیّا للقدس، وبذلك أخلطت الثّورة أوراق الصهیونیة العالمیة وأصابتها في مقتلٍ.

لقد تمكنت الثّورة الإسلامیة من تحدید الهدف، وتحدید العدوِّ، وتحدید مراحل العمل من غیر تشوّشٍ ومن غیر خلط، وأعدّت لكلّ مرحلة أولویاتها ووسائلها.   

قال “دانیل باییس” رئیس معهد أبحاث السیاسة الخارجیة الأمریكیة في المؤتمر الذي أقیم في مدینة اسطنبول في خریف ۱۹۸۹م حول تأثیرات الثورة الإسلامیة على المسلمین: ” لن تستطیع أمریكا التصالح مع المسلمین، لأنّهم لا یعتزمون فقط طردنا عسكریا من الشرق الأوسط، بل ینوون مثل ذلك على الصّعید الثقافي أیضا [11][284]“.  إنّ الثورة الإسلامیة لم تكن حالة عرضیة لمرحلة مؤقّتة، أوردّة فعل على سلوك سلطة، ولكنّها حلقة في نظام بنیوی متكامل خرج إلى الوجود لمّا كانت الحاجة ملحّة إلیه. فلقد استنفذت الإیدیولوجیتان اللیبرالیة الرأسمالیة والشیوعیة جمیع وسائل وجودهما، والطبیعة تنفر من الفراغ، فكان لابدّ أن تكون الثورة الإسلامیة هی البدیل الذي تنتظره الإنسانیة، والثورة الإسلامیة آتیة بثقافتها التی تكنس بها الآخر الأمریكی.

نشوء حركات تحرّر بتصوّر ثوری جدید، وإطار جدید مثل حركة حزب الله في لبنان، وحركة الجهاد الإسلامی، وحركة المقاومة الإسلامیة ( حماس) الّتی تحوّلت من العمل الدعوی التّربوی و الاجتماعی إلى العمل التّغییری الحقیقی الشامل.

وقد استوحت أوّل انتفاضة فلسطینیة شعبیة سنة ۱۹۸۷م وحی عملها، وأسلوب جهادها من أدبیات الثّورة الإسلامیة في إیران، إذ هی انتفاضة سلمیة متحدّیة الرصاص المصبوب والمسكوب الصهیونی.

انعكاسات الثورة الإیرانیة على الثّورات العربیة الحالیة

لا أحد یقول أنّ الثورة الإسلامیة في إیران هی الّتی وجّهت الثورات العربیة الحالیة، فقادة الثّورة الإسلامیة في إیران دائمو القول أنّهم لا یتدخّلون في الشؤون الداخلیة للمجتمعات الإنسانیة كلّها. ولكنّه من الطّبیعی جدّا أن یتمّ الجانب التلاحمی في العطاءات الإنسانیة باستفادات التجارب من بعضها بعض عن طریق التأثیر والتأثّر، وعن طریق الإستلهام . إنّ تكتیك حرب العصابات في مواجهة الجیوش النّظامیة لابدّ أن تكون من وضع حركة تحرّریة معینة في زمن ما، وقد استلهمتها فيما بعد كلّ الحركات التحرریة عبر الأجیال كلّها.

إنّ الثورة الإسلامیة في فلسفتها وحركتها تختلف عن بقیّة الثورات العالمیة الحدیثة، إذ هی نقلة نوعیة، بل هی طفرة في الفكر الإصلاحی والثوری المعاصرین، فمن الطّبیعی أنّ تستلهم بعض التّجارب الإنسانیة الحالیة أدبیاتها منها، ومن ذلك هذه الثورات العربیة الحالیة:

الثورة المصریة

تتماثل الثّورة المصریة الحالیة مع الثّورة الإسلامیة في إیران من خلال :

التظاهرات الشّعبیة الملیونیة .

التظاهرات السّلمیة بالرّغم من قمع الشّرطة لها، وإراقة مئات الأرواح.

تحدید الثورة في مصر لهدفها الدّقیق، وهی الإطاحة بنظام الاستبداد، وعدم قبول الحلول الترقیعیة.

مشاركة كافة شرائح المجتمع من مختلف الأعمار، ومن كلا الجنسین، ومن مختلف الطبقات الشعبیة.

الثورة البحرینیة

وتتماثل الثورة البحرینیة بخصوصیتها مع الثورة الإسلامیة الإیرانیة فيما یلی :

مواجهة نظام استبدادی تعسّفي .

مواجهة تعتیم إعلامی عالمی .

مواجهة تشویه لحقیقة المطالب، وحقیقة ما یجری على الأرض .

مشاركة شعبیة واسعة تمثّل مختلف الأعمار، وكلا الجنسین، ومختلف الشرائح الاجتماعیة .

مطالبة سلمیة من خلال التظاهرات الحاشدة، والإصرار على سلمیّة المطالب على الرّغم من محاولات جرّها إلى استعمال العنف، وبالرغم من مواجهتها بالعنف، وإراقة الدّماء.

تأطیر هذه الحركة التغییریة من قبل المرجعیة الدیّنیة المستوعبة لظروف المرحلة .

التحدید الدّقیق للهدف ولوسائل هذا الهدف.

مستقبل الصّحوة الإسلامیة

 قد سبق الذّكر أنّ الصحوة الإسلامیة لم تظهر في أوج نضارتها إلا مع الثورة الإسلامیة في إیران. فقد أصبح الإسلام الآن في قلب المعادلة الدولیة، وغدا ظاهرة عالمیة تركز مختلف مراكز البحث الاستراتیجی، ومخابر الأبحاث الجامعیة، والدّراسات الأكادیمیة المختلفة دراساتها عنها. لقد أضحى الإسلام بعد الثّورة الإسلامیة هاجس خوف للبعض، وبادرة أمل للبعض الآخر، وفكرة جدیرة بالاهتمام لآخرین. بكلمة واحدة أصبح الإسلام في الوجدان الإنسانی العالمی بالرّغم من التشویه المنظّم، وقلب الحقائق، وغرس الدسائس .

وإنّه لمن الضروری الآن بعد مضیِّ ثلاثة عقود على الثورة الإسلامیة من التفكیر في الصّحوة بشكل أوسع وأعمق بأن تتحوّل الصّحوة الإسلامیة إلى صحوة إنسانیة نحو الإسلام، وإنّ بعض الحقّ یُفتَك من أفواه الأعداء .

إنّ أمریكا لا تخیف بصواریخها العابرة للقارات ولا للكواكب، ولا بعولمتها، ولا بتفّردها على عرش الكرة الأرضیة ..

إنّ أمریكا تخیف حقّا حقّا بـ ( ماكدونالد ) ، و بـ ( كوكاكولا) ، و بـ ( هولیود) …إنّ أمریكا تخیف بنموذجها الثّقافي الجاذب السّاحر.إنّ شبابنا منجذبون بل مولعون بالنموذج الثّقافي الأمریكی الإستهلاكی الذي غزا المجتمعات الإنسانیة. إنّهم یكرهون أمریكا كنموذج سیاسی ولكنهم مولعون بها كنموذج ثقافي.

إنّ مستقبل الثّورة الإسلامیة، وبالتالی الصّحوة الإسلامیة، وبالتالی الصّحوة الإنسانیة تجاه الإسلام مرهون بالعمل على إیجاد نماذج ثقافية إسلامیة، وقیم ثقافية إسلامیة … إنّه لا یكفي إیجادها، بل لابدّ من حسن تسویقها، وإنّ عملیّة التّسویق علم وفنّ له أسسه وقواعده ونظریاته …

إنّنا نهدف من خلال هذا التسویق جعل القیمة الثّقافية الإسلامیة في وجدان وضمیر كلّ مسلم ومسلمة، بل في ضمیر كلّ إنسان. هذا واجب كلّ مؤمن في السّاحة العالمیة على وجه العموم، وواجب كلّ مهتمّ بشؤون الصّحوة الإسلامیة على وجه الخصوص.

وإنّ لقاء قائد الثّورة الإسلامیة السید آیة الله علی الخامنئی في ذكرى مولد الإمام الحسن (ع ) یوم ۱۵ رمضان ۱۴۳۲هـ الموافق لـ ۱۶ أوت/ أغسطس ۲۰۱۱ في حسینیة الإمام الخمینی بحشد من المثقفين، والفنانین، والشعراء المخضرمین، والشعراء الشباب نموذج مما سبق القول فيه، وقد ذكر سماحته أنّ الثورة الإسلامیة أحیت المعارف، والفنّ و طرحتهما في المجتمع و بین أبناء الشّعب .

والمُتَمَنَّى أنّ ُیكرّس العمل حثیثا، وعلى جمیع الأصعدة الفنّیة والأدبیة والمسرحیة والسینمائیة، والأنشودة، والموسیقى … لتكون الظّاهرة الثّقافية الإسلامیة ظاهرة إنسانیة تصیب القیم الثّقافية الطاغوتیة والشّیطانیة في مقتل.   

[۱][۲۷۰].-http : // ikhawen .net-forum / showthread.php- التیار الإسلامی في الفكر السّیاسی الإسلامی د. محمد سلیم العوّا

.[۱][۲۷۱]محمد عبده و  محمد إقبال: رؤیتان في تحدیث التفكیر الدّینی، عبد الجبّار الرّافعی http:// science-islam .net / article.php

.[۱][۲۷۲]التیار الإسلامی في الفكر السیاسی الإسلامی: سید قطب، الإنقاذ من الجاهلیة – د. محمد سلیم العوّا- 

.[۱][۲۷۳] محمد عبده و عودة لمشروع الإصلاح الدّینی. محمد سلیمان أبو رمان –http:// islamtoday.net –nawafeth/artshow-40

. [۱][۲۷۴]التیار الإسلامی في الفكر السیاسی المصری : محمد عبده – المصلح السیاسی. د. محمد سلیم العوّا

[۱][۲۷۹]و الشیخ عبد الله المازندرانی، و السیّد اسماعیل صدر الدّین، و الشیخ محمد تقیّ الحائری الشیرازی

].www .taqrib.info/arabic/index.phpالوحدة الإسلامیة في خط الإمام الخمینی. المجمع العالمی للتقریب بین المذاهب

.۲رواد الإصلاح السیاسی : الأفغانی . البنّا. الخمینی .د. سعید الشهابی

http:// elfanonline.mohet.com/show_file

[۱][۲۸۲]. StansfieldTurner : director of central intelligence of America (1977- 1981).

.[۱][۲۸۳]الثورة الإسلامیة: التصدیر والتأثیرات الإقلیمیة بتاریخ ۰۸- ۰۳- ۲۰۱۱ www.tebyan.net/index.aspx

.[۱][۲۸۴]نفس المصدر

.محمد عبده و  محمد إقبال: رؤیتان في تحدیث التفكیر الدّینی، عبد الجبّار الرّافعی http:// science-islam .net / article.php

.[۳][۲۷۲]التیار الإسلامی في الفكر السیاسی الإسلامی: سید قطب، الإنقاذ من الجاهلیة – د. محمد سلیم العوّا- 

.[۴][۲۷۳] محمد عبده و عودة لمشروع الإصلاح الدّینی. محمد سلیمان أبو رمان –http:// islamtoday.net –nawafeth/artshow-40

. [۵][۲۷۴]التیار الإسلامی في الفكر السیاسی المصری : محمد عبده – المصلح السیاسی. د. محمد سلیم العوّا

 

[۷][۲۸۰].www .taqrib.info/arabic/index.phpالوحدة الإسلامیة في خط الإمام الخمینی. المجمع العالمی للتقریب بین المذاهب

.۲رواد الإصلاح السیاسی : الأفغانی . البنّا. الخمینی .د. سعید الشهابی

http:// elfanonline.mohet.com/show_files

[۹][۲۸۲]. StansfieldTurner : director of central intelligence of America (1977- 1981).

.[۱۰][۲۸۳]الثورة الإسلامیة: التصدیر والتأثیرات الإقلیمیة بتاریخ ۰۸- ۰۳- ۲۰۱۱ www.tebyan.net/index.aspx

مؤسسة الفکر الاسلامی

 



دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *